اعداد _أشرف المهندس
اللقاء الايمانى مع فضيلة الدكتور اسماعيل أحمد مرشدي
الأمة اليوم أحاطت بها العداوات من كل جانب
ونالت منها أسلحة الشرق والغرب في كل بقعة من بقاعها، فإنها أحوج ما تكون إلى أناس إيجابيين ليكشفوا عنها ما تعاني منه وتقاسي
سواء بالمال أم بالجهد أم بالوقت
أما السلبية والتقاعس عن تلبية نداءات الواجب فإنها ليست من أخلاق المسلمين.
أولا:- مفهوم الإيجابية
الإيجابية تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء
والشخص الإيجابي: هو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه , فإنه مهما اختلف الناس في تحديد مفهوم الإيجابية فيبقى المفهوم المستفاد من الوحي هو المعول عليه
ويمكن إجمال ذلك في قراءة سورة العصر:
( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
فقد بينت هذه السورة أن الإنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من كان متصفا بخصال أربعة، وهي في الحقيقة سمات الشخصية المسلمة الإيجابية.
1ـ الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
2ـ والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده،
3ـ والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
4ـ والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار وفاز بالربح العظيم .
“يروى أن مسلمة بن عبد الملك كان في جملة من الجند يحاصرون إحدى قلاع الروم، وكانت محصنة والدخول إليها صعباً إلا من نقب فيها تخرج منه أوساخ المدينة
فوقف مسلمة ينادي في الجند:
“من يدخل النقب ويزيح الصخرة التي تحبس الباب ويبكر حتى ندخل”، فقام رجل قد غطى وجهه بثوبه وقال: “أنا يا أمير الجند” ودخل النقب وفتح الباب ودخل الجند القلعة فاتحين. وبعدها وقف مسلمة بين الجند ينادي على صاحب النقب حتى يكرمه على ما فعل، وكان يردد: “من الذي فتح لنا الباب؟” فما يجيبه أحد! فقال: “أقسمت على صاحب النقب أن يأتيني في أي ساعة من ليل أو نهار”.
فطُرق باب مسلمة طارق ليلاً ، فيلقاه مسلمة مستبشراُ: “أنت صاحب النقب؟” فقال الطارق: “هو يشترط ثلاثة شروط حتى تراه”. قال مسلمة: “وما هي؟” قال: “ألا ترفع اسمه لدى الخليفة ولا تأمر له بجائزة ولا تنظر له بعين من التمييز”، قال مسلمة: “افعل له ذلك” . فقال الطارق: “أنا صاحب النقب” وانصرف وترك جيش مسلمة ذاهبًا إلى سد الثغور في أماكن أخرى” ويذكر أن مسلمة كان يدعو بعدها قائلاً: “اللهم احشرني مع صاحب النقب.” صور من الايجابية :-
1-. عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قال: أَمَرَنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. وهذا لا يعنى أن عمر (ض) لم يكن قوى الهمة سباقا إلى الخير، كلا بل كان للتنافس في الأعمال التطوعية أهلا و للايجابية عنوانا ولعلو الهمة دليلا
2-. يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا . وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم. ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق احد ممن سمعها إلا خرج وأعتق من عبيده، و بعد أن تحرر العبيد اجتمعوا بعضهم في بيته، و قالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟ قال لهم: كنت لا املك عبدا، و لم يكن معي ما اشتري به عبدا لأعتقه
فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقا من القلب فوصل إلى قلوب الناس . 3- . تعلم من الهدهد والنملة :-
تفقد سليمان الطير فقال: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
فإذا بالهدهد يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} ولكي ترى كم من المسافات قطع، وكم من الجهد بذل وضحى، لك أن تعرف أن مملكة سبأ تقع في جنوب الجزيرة باليمن، فقطع الهدهد هذه المسافات الشاسعة وبلغ قائده بما رأى. إن الدعوة لا تنتصر ولا تتقدم الأمم بأصحاب المصالح، ولا بطلاب الدنيا حتى النملة إيجابية :-{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .ونلاحظ إيجابية النملة في تحذير قومها من الأخطار المحيطة بهم، فهي أمرت وحذرت، واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور، وخاطبت أمتها بالقول السديد والرأي الرشيد، فهل فكرت يومًا في تحذير قومك من مؤامرات الأعداء؟. 4- قصة مؤمن آل فرعون:- ( وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين) لم يمنعه بُعد المكان أن يأتي ليبلغ دعوته، وينشر معتقده، فقد جاء من أقصا المدينة! والغالب أن من يسكن أقصى المدينة هم ضعفاء الناس وفقراؤهم ولم يمنعه ذلك من اتيان قومه لدعوتهم ونصحهم .“ ورجل هنا نكرة أي أنه من عامة الناس وليس من وجهائهم.“يَسْعَى” ولم يأتِ ماشياً! فإن ما قام في قلبه من الهمة العالية، والرغبة، في نقل ما عنده للآخرين، حمله على أن يسعى .قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ” فلم يكتف بوجود ثلاثة رسل وإنما جاء بنفسه ليدعو قومه ويرغبهم في اتباع المرسلين .ثم يبين دليل صدق أنبيائهم “اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ” ثم يسوق الحجج العقلية، فيقول: “وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ . إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ” هذا مثال لمؤمن حمله إيمانه الحق الصادق، على أن يجهر بدعوته، صريحة، واضحة، بين الناس. ونادى بملء فيه:”إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ” فقتله قومه. والقصة لم تنتهِ عند هذا الحد! قتل الرجل وبشرته الملائكة بالجنة “قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ” حتى بعد الموت، والفوز بالجنة، لا يزال في قلبه الشعور بالرغبة في العطاء، والنصح للآخرين. ولم يشمت بهم، وإنما تمنى أن يعلم قومه بعاقبته، لعل ذلك يحملهم على أن يقبلوا نصحه.قال ابن عباس: “نصح قومه في حياته بقوله: “يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ”، وبعد مماته في قوله: “يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ “